موضوع: إشراقات قرآنية في سورة العلق - سلمان العودة الخميس نوفمبر 21, 2013 1:10 pm
إشراقات قرآنية في سورة العلق - سلمان العودة إشراقات قرآنية في سورة العلق – سلمان العودة من كتاب إشراقات قرآنية الآيات الخمس من سورة العلق هي أول ما نزل من الوحي (بدلالة حديث جابر الذي ذكر فيه أن الملك الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بحراء وقد جاءه بسورة اِقرأ وفيه أنه قد عرفه وأنه طلب من خديجة رضي الله عنها أن تزمّله ثم حمي الوحي بعد ذلك). فعلى هذا يكون أول ما نزل بعد ما فتر الوحي سورة المدثر. فقد جاء الوحي أول ما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (اقرأ) ثم فتر كما في حديث عائشة رضي الله عنها ثم عاوده الوحي بسورة المدثر فهذا هو الجمع بين أقوال جميع العلماء وهو الصحيح كما رجّحه علماء التفسير والسيَر. النبي صلى الله عليه وسلم نُبّيء بـ (اِقرأ) وأُرسِل بـ (المدّثر) فكانت (اِقرأ) نبوءة له ثم أُرسِل بـ(المدّثر) فقيل له: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)) إن جبريل عليه السلام لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له (اقرأ) كان المفترض أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم شيء يقرأ منه أو يكون في صدره ما يقرؤه فإن القرآءة تُطلق على ما يُقرأ من الورق أو ما يقرأه الإنسان من صدره. فلو قلت لرجل اقرأ فقرأ من حفظه لكان امتثل. والله تعالى أمر المؤمنين بقرآءة القرآن فقال (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (20) المزمل) وإنما سُمّيَ قرآناً لأنه يُقرأ. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم "ما أنا بقارئ" لا أحسن القرآءة إنما أنا أميّ لم يسبق لي تعليم وليس معناها كما يظنه البعض تأبّياً من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يقول لا، لن أقرأ. من دلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنا بقارئ" أنه كان خلوّاً من الترقب والتطلع والانتظار ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في الجاهلية يترقب الرسالة ولا ينتظرها خلافاً لما كان عليه كثير من الحنفاء وأهل الكتاب كأمية بن الصلت فإنه كان ينتظر الرسالة، فلما كانت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حسده وكفر مع أنه مؤمن في قرارة نفسه ولذلك لما قُرئ شعره على النبي صلى الله عليه وسلم قال: آمن شِعره وكفر قلبه. لم يحدد المقروء إما للعلم به وهو القرآن أي اقرأ القرآن أو اقرأ القدر الذي أعلّمك إياه أو المقصود اقرأ كل ما يُحتاج إليه من علم نافع فيكون أمراً لأمته من بعده ودعوة إلى طلب العلم النافع في أمر الدين والدنيا فتكون الآية دليل على إيجاب طلب العلم المحتاج إليه فمنه ما يجب على الأعيان ومنه ما يجب على الكفاية كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم". ربط القرآءة باسم الله تأكيد على أن المعرفة منحة من الله للإنسان وليست ظفراً إنسانياً ينتهبه الناس من الآلة كما تزعم الأساطير اليونانية وهو دعوة إلى تكريس المبدأ الأخلاقي للعلم والذي غايته نفع البشرية وخدمتها وليس تدميرها. بُدئت السورة بـالأمر بالقرآءة (اقرأ) وخُتمت السورة بالأمر بالسجود (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)) وتوسطت بذكر الصلاة (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)) وذلك أن أعظم أقوال الصلاة ذكر الله تعالى وقرآءة القرآن وهو ما بُدئ بقوله (اقرأ) وأعظم أفعالها السجود وهو ما خُتمت به السورة. والعبد يبدأ صلاته قائماً ثم يركع ثم يسجد ثم يقعد ثم يسجد فكان السجود هو آخر ما يراد في الصلاة وهو أكمل ما يكون من العبودية لله سبحانه وتعالى حيث يعفّر الإنسان جبهته ووجهه لله عز وجل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". تكرار كلمة (رب) في السورة كلها تأكيد للطف والرحمة وأنها بداية الرسالة ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. كلمة (خلق) تكررت مرتين، الأولى (الذي خلق) خلق مطلق يشمل السموات والأرض والملائكة والجن والإنس والدنيا والآخرة وما نعلم وما لا نعلم. والثاني خلق الإنسان (خلق الإنسان من علق). كلمة الإنسان تكررت في السورة ثلاث مرات (خلق الإنسان من علق) لذكر الخلق والفَطْر والثانية (علم الإنسان ما لم يعلم) للتعليم وقابلية المعرفة لدى الإنسان، والثالثة (إن الإنسان ليطغى) للتحذير من الطغيان بالعلم وبيان أن العلم إذا انفصل عن القيم والأخلاق والفضائل صار طغياناً. (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6)) أول موضع ترد فيه كلمة (كلا) من حيث النزول وقد وردت في القرآن الكريم في ثلاث وثلاثين موضعاً منها ثلاثة مواضع في هذه السورة وغالب ورودها في القرآن المكي لأن (كلا) فيها معنى الزجر والتوبيخ والتهديد والوعيد وهذا مناسب لعناد الكافرين وتكذيبهم وإيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الإشارة إلى القرآءة بالأمر الإلهي ثم إلى الكتابة بذكر القلم هي دعوة لهذه الأمة أن يقرأوا ويتعلموا ويفتحوا كنوز العلم ويتخلصوا من أمّيتهم ويبدأوا مسيرتهم العلمية المترقية في كل مجالات العلوم فليست هذه فضيلة لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فالأمة مأمورة بالقرآءة والكتابة والتعلم والتعقل والتفكير. (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى () الرجعى الرجوع وأول مراحل الرجوع الموت ثم الدار الآخرة. وفي هذا تذكير لذلك الإنسان الذي طغى وكبرت عليه نفسه فقد ذكّره أولاً أنه خُلِق من علق ثم ذكّره آخراً أن إلى الله الرجعى فكأنها تقول إن الإنسان محصور بين بداية من علق ونهاية من تراب ثم رجوع إلى رب الأرباب فكيف له أن يتمرّد أو يتكبّر أو يطغى فعليه أن يلغي كبرياءه وغروره ويعرف قدر نفسه. وهي دعوة للإنسان أن يتواضع لربه ويعرف قدره فالغنى وتملّك المال لا يكون مذموماً إذا راعى فيه أموراً ثلاثة: · أن يكون طلب المال من حلال لا عدوان فيه ولا ظلم · ألا ينفقه في حرام · ألا يحجزه عما أوجبه الله عليه فيه من زكاة وإطعام الفقراء والمساكين والمحاويج ومن تجب عليه نفقتهم. إذا تأملنا سورة العلق وجدناها متضمنة معاني الدين كأمر الربوبية (ربك) والألوهية (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)) وأمر الأسماء والصفات (وربك الأكرم) وأمر البعث (إن إلى ربك الرجعى) وأمر النبوة في قوله (اقرأ) وأمر الرسالة في قوله (أو أمر بالتقوى) وأمر الكُتب في قوله (الذي علّم بالقلم) وأمر القدر فإن الخلق هو أول مراتب القدر وبعده الكتابة في اللوح المحفوظ وهذا في قوله (الذي علّم بالقلم). وسائل المعرفة هي: 1. الوحي وهو طريق معرفة الغيب وما لا يحيط به البشر. 2. العقل وهو وسيلة لاكتشاف الحياة والكون ولفهم الوحي والشرع والإنسان مخلوق عاقل ولذا علّم الله آدم الأسماء كلها وإذا علِم الأسماء علم الصفات. 3. الكون الذي أمرنا أن ننظر فيه كما قال عز وجل (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك) وقال سبحانه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (46) الحج) فهو مصدر معرفة تنجم عن جولة العقل والتجربة لاكتشافه ومعرفة مجاهيله وأسراره ونواميسه. الحواس ولذلك قال سبحانه وتعالى (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) فالأفئدة تعي وتستوعب ما تستقبله الحواس من سمع وبصر وغيرها. إشراقات قرآنية في سورة العلق - سلمان العودة